«هذه ليست حرباً أهلية. هذا نضال شعب يدافع عن نفسه في وجه حكومة فاشية… هذا ليس صراعاً. إنها حركة تحرّر تحارب من أجل العدالة»
غسان كنفاني، 1970

التاريخ يكتبه المنتصر. لكن ماذا عن تاريخ حرب لا غالب فيها ولا مغلوب؟ لم تكن الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990) بلا غالب أو مغلوب كما يحلو للطبقة الحاكمة تصويرها وتصوير تاريخ لبنان عموماً. لكن الغلبة لم تكن مطلقة، وهي أساساً مرتبطة بتعريف الأطراف المتحاربة وحسابات الربح والخسارة. وغياب الغلبة المطلقة يعني غياب التاريخ الموحّد. فما هي تداعيات هذا الغياب في ذكرى الحرب الخمسين؟

بعد مرور نصف قرن على اندلاعها، تخطّت الأجيال التي شهدت الحرب نصف عمرها، وباتت ذاكرة الحرب الجماعية للمجتمع أكثر اتكالاً على التاريخ المنقول، أي المكتوب والمروي والمسموع. وإذا ما سلّمنا أنّ التاريخ أداة من أدوات الصراع السياسي الراهن، وخاصة في ما يتعلّق بحرب ضروس ما تزال مفاعيلها حاضرة، تكتسب محاولات كتابة تاريخ الحرب أو أرشفتها أو الحديث عنها في الفضاء العام أهمية زائدة.

لا يسع المجال هنا لجردة تقييمية عمّا صدر ويصدر حول الحرب الأهلية في العقد الأخير من الزمن، من حيث الموضوعية في تحليل الأسباب والدقة في نقل الحقائق والشمولية في الوصف. لكن المتابع لهذا الشأن يمكنه رصد عدد من المقاربات التي تحتل حيّزاً واسعاً في الإعلام، وتؤثر في ذاكرة الجيل الجديد الذي لم يختبر الحرب. تشي هذه المقاربات بانعطافة خطيرة نحو إعادة صياغة هذا التاريخ، بما يتوافق مع منطلقات أيديولوجية رجعية أو مضلّلة، ولخدمة مصالح سياسية محددة.

أولى هذه المقاربات وأخطرها، تلك التي تريد أن تعيد ترسيخ رؤية التيار اليميني الفاشي للصراع على أنه «حروب الآخرين على أرضنا» والأصحّ حروب الآخرين - باستثناء إسرائيل - على أرضنا. بحسب هذه المقاربة، نتجت الحرب من الوجود الفلسطيني المسلّح والمدني على حدّ سواء، و«الاحتلال» السوري الذي تلاه. وقد تم التصدي لكليهما من قِبل «مقاومة لبنانية» باسلة عمادها حزبا الكتائب والقوات اللبنانية. هكذا، يصبح مشروع بشير الجميّل التقسيمي والعنصري المتماهي مع مصالح إسرائيل الاستعمارية مشروعاً وطنياً تحررياً، ويصبح اغتيال «الرئيس الشهيد» عام 1982 حلقة من سلسلة الاغتيالات التي طالت رجالات وطنية، وصولاً إلى رفيق الحريري عام 2005.

لا تقتصر هذه القراءة على أدبيات الحزبين المذكورين ومن لف لفيفهم، بل تشمل جهوداً مؤسساتية على شاكلة مبادرة جامعة الروح القُدُس التي أطلقتها في الذكرى الأربعين للحرب (عام 2015) من أجل إنشاء أرشيف «المقاومة اللبنانية المسيحية». بينما ينام

دروس الحرب الأهلية اللبنانية